الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَصَفَ اللهُ الْمُتَّقِينَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي اسْتَحَقُّوا بِهَا تِلْكَ الدَّرَجَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قوله: {الَّذِينَ يَقُولُونَ} وَصْفٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا، وَكَذَا عَلَى الْقَوْلِ بأنه مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بأنه اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ فَالْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الْوَصْفُ بِالْمَعْنَى (وَالصَّابِرِينَ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ، وَالْمَنْصُوبُ عَلَى الْمَدْحِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ لَيْسَ كَلَامًا مَقْطُوعًا مَفْصُولًا مِمَّا قَبِلَهُ كَمَا يُوهِمُهُ تَقْدِيرُ الْفِعْلِ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أُسْلُوبٌ بَلِيغٌ فِي إِيرَادِ الصِّفَةِ مُعْرَبَةً بِغَيْرِ إِعْرَابِ الْمَوْصُوفِ. وَوَجْهُ الْبَلَاغَةِ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا لَفْظِيٌّ، وَالْآخَرَانِ مَعْنَوِيَّانِ، أَمَّا اللَّفْظِيُّ: فَهُوَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْإِعْرَابِ يُحْدِثُ فِي الذِّهْنِ حَرَكَةً جَدِيدَةً فَيَنْتَبِهُ فَضْلَ انْتِبَاهٍ إِلَى الْكَلَامِ الْجَدِيدِ. وَأَمَّا الْمَعْنَوِيَّانِ: فَأَحَدُهُمَا بَيَانُ مَزِيَّةٍ خَاصَّةً فِي الْمَقَامِ لِمَا بِهِ الْمَدْحُ، كَأَنْ يُقَالُ هُنَا فِي التَّقْدِيرِ: وَأَمْدَحُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا... الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ... إِلَخْ؛ كَأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُمْ بأنهمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ امْتَازُوا عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ وَصَارُوا أَحَقَّ بِذَلِكَ الْوَعْدِ. وَثَانِيهِمَا: تَقْرِيرُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ مَمْدُوحَةٌ فِي ذَاتِهَا.تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَعْنَى الصَّبْرِ وَكَيْفِيَّةِ اكْتِسَابِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَا: مَجْمُوعُ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّبْرِ تَدُلُّنَا عَلَى أَنَّ الصَّبْرَ هُوَ حَبْسُ النَّفْسِ عِنْدَ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَيَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ احْتِمَالُهُ، وَأَكْمَلُ أَنْوَاعِهِ الصَّبْرُ عَلَى مُلَازَمَةِ الشَّرِيعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. فَعِنْدَمَا تَهُبُّ زَوَابِعُ الشَّهَوَاتِ فَتُزَلْزِلُ الِاعْتِقَادَ بِقُبْحِ الْمَعَاصِي وَسُوءِ عَاقِبَتِهَا يَكُونُ الصَّبْرُ هُوَ الَّذِي يُثَبِّتُ الإيمان وَيَقِفُ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْحُدُودِ الْمَشْرُوعَةِ؛ لِذَلِكَ قَرَنَ الأمر بِالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ بِالأمر بِالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ فِي سُورَةِ الْعَصْرِ، وَالْحَقُّ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنَ الدِّينِ، وَهُوَ لَا يَقُومُ إِلَّا بِالصَّبْرِ. وَكَمَا يَحْفَظُ النَّفْسَ عِنْدَ حُدُودِ الشَّرْعِ يَحْفَظُ شَرَفَ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَيَحْفَظُ حُقُوقَ النَّاسِ أَنْ تَغْتَالَهَا أَيْدِي الْمَطَامِعِ. وَكُتِبَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْعَصْرِ: الصَّبْرُ مَلَكَةٌ فِي النَّفْسِ يَتَيَسَّرُ مَعَهَا احْتِمَالُ مَا يَشُقُّ احْتِمَالُهُ وَالرِّضَا بِمَا يُكْرَهُ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ، وَهُوَ خُلُقٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ كُلِّ خُلُقٍ، وَمَا أُتِيَ النَّاسُ مِنْ شَيْءٍ مِثْلَ مَا أُتُوا مِنْ فَقْدِ الصَّبْرِ أَوْ ضَعْفِهِ، كُلُّ أُمَّةٍ ضَعُفَ الصَّبْرُ فِي نُفُوسِ أَفْرَادِهَا ضَعُفَ فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ وَذَهَبَتْ مِنْهَا كُلُّ قُوَّةٍ: وَأَتَى بِأَمْثِلَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى ذَلِكَ.وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْدِيمَ ذِكْرِ الصَّابِرِينَ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ كَالشَّرْطِ إِذْ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ الصِّدْقُ وَالْقُنُوتُ وَالْإِنْفَاقُ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي الْأَسْحَارِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَطِيبُ فِيهِ النَّوْمُ وَيَشُقُّ الْقِيَامُ. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَالصِّدْقُ يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْوَصْفِ، يُقَالُ: فُلَانٌ صَادِقٌ فِي عَمَلِهِ، صَادِقٌ فِي جِهَادِهِ، صَادِقٌ فِي حُبِّهِ، كَمَا يُقَالُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ. أَقُولُ: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الإيمان وَالنِّيَّةُ. وَالصِّدْقُ مُنْتَهَى الْكَمَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَحَسْبُكَ فِي بَيَانِ فَضْلِ الصِّدْقِ وَجَزَائِهِ قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [39: 33- 35] فَقَدْ جَعَلَ الصِّدْقَ مِلَاكَ الدِّينِ كُلِّهِ وَجَاءَ مَعَ حَقِيقَتِهِ، وَجَعَلَ أَسْوَأَ الذُّنُوبِ مَعَهُ مُسْتَحِقًّا لِأَنْ يُكَفَّرَ وَيُغْفَرَ، وَأَيُّ ذَنْبٍ يُدَنِّسُ نَفْسَ الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ وَأَخْلَاقِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فَيَمْنَعُهَا اسْتِحْقَاقُ الْمَغْفِرَةِ؟ أَلَيْسَ أَسْوَأُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُلِمَّ بِهِ الصَّادِقُ مِنَ الذَّنْبِ بَادِرَةُ غَضَبٍ لَا تَلْبَثُ أَنْ تَفِيءَ، أَوْ نَزْوَةُ شَهْوَةٍ لَا تَمْكُثُ أَنْ تَسْكُنَ فَيَكُونُ مَسُّ طَائِفِ الشَّيْطَانِ ضَعِيفًا قَصِيرَ الْأَمَدِ لَا يَقْوَى عَلَى إِضْعَافِ فَضِيلَةِ تِلْكَ النَّفْسِ الْقَوِيَّةِ بِالصِّدْقِ وَلَا عَلَى إِطْفَاءِ نُورِهَا؟ وَقَدْ فَسَّرُوا الْقَانِتِينَ بِالْمُطِيعِينَ وَبِالْمُدَاوِمِينَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الْقُنُوتَ: هُوَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْخُشُوعِ وَالضَّرَاعَةِ، أَيْ عَلَى رُوحِ الْعِبَادَةِ وَلُبَابِهَا لَا عَلَى صُوَرِهَا وَرُسُومِهَا فَقَطْ: وَالْمُنْفِقُونَ مَعْرُوفُونَ، وَلَمْ يُعَيِّنِ النَّفَقَةَ وَلَا الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمُ الْمُنْفِقُونَ لِلْمَالِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ وَاجِبَةٍ وَمُسْتَحَبَّةٍ، وَلَا يَمْنَعُونَ حَقًّا وَلَا يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، وَفَسَّرَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ الْمُسْتَغْفِرِينَ هُنَا بِالْمُصَلِّينَ، لِأَنَّ أَهْلَ التَّهَجُّدِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ يَطْلُبُونَ بِتَهَجُّدِهِمْ مَغْفِرَةَ اللهِ وَرِضْوَانَهُ، فَهَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرُونَ يَرَوْنَ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالْفِعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ حَرَكَةِ اللِّسَانِ، وَمَنْ يَقُولُ: أنه الطَّلَبُ بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِنْ شُرُوطِهِ حُضُورَ الْقَلْبِ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ أَنَّ اسْتِغْفَارَ اللِّسَانِ وَحْدَهُ نَافِعٌ، بَلْ قَالُوا: إِنَّ الْمُسْتَغْفِرَ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ الَّذِي يَغَتَرَّ بِهِ الْجَهَلَةُ الْأَغْرَارُ قَالَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ: اسْتِغْفَارُنَا يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ كَثِيرٍ.وَرُوِيَ تَفْسِيرُ الِاسْتِغْفَارِ هُنَا بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِ السَّحَرِ وَبِصَلَاةِ الصُّبْحِ؛ أَيْ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَقَيَّدَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ، وَحِكْمَةُ تَخْصِيصِ وَقْتِ السَّحَرِ: أَنَّ الْعِبَادَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ أَشَقَّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَطِيبُ فِيهِ النَّوْمُ وَيَعْزُبُ الرِّيَاءُ، وَأَرْوَحُ لأهل النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَكُونُ أَصْفَى وَالْقَلْبَ أَفْرَغُ مِنَ الشَّوَاغِلِ.وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ النُّكْتَةُ فِي نَسَقِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ بِالْعَطْفِ مَعَ أَنَّ الْأَوْصَافَ الْمَعْدُودَةَ تُسْرَدُ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ. ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ عَنِ الزَّمَخْشَرِيِّ: أَنَّ الْعَطْفَ يُفِيدُ كَمَالَ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّنَا لَا نَعْهَدُ مِنْ مَعَانِي الْوَاوِ الْكَمَالَ فِي مَعْطُوفَاتِهَا، وَمَنْ عِنْدَهُ ذَوْقٌ فِي اللِّسَانِ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ أَمْثِلَةً مِنْهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ رِمَاحٍ، أَوْ رُمْحِ اثْنَانِ ثَلَاثَةٍ، وَقَالَ: إِنَّ بَيَانَ الْفَرْقِ رُبَّمَا لَا تَفِي بِهِ الْعِبَارَةُ إِلَّا مَعَ الِاسْتِعَانَةِ بِالسَّلِيقَةِ، وَيُمْكِنُ تَقْرِيبُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَوْصَافَ الْمَسْرُودَةَ بِغَيْرِ عَطْفٍ كَالْوَصْفِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا عَطْفُهَا فَيُفِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَصْفٌ مُسْتَقِلٌّ. أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ وَتَوْسِيطُ الْوَاوِ بَيْنَهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَكَمَالِهِمْ فِيهَا، أَوْ لِتَغَايُرِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَا وَهِيَ مُبْهَمَةٌ، وَأيضاحُ الِاسْتِقْلَالِ مَا قَرَأْتَ آنِفًا. وَأَمَّا تَغَايُرُ الْمَوْصُوفِينَ بِهَا فَمَعْنَاهُ هُنَا أَنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا أَصْنَافٌ فَمِنْهُمُ الصَّابِرُونَ وَمِنْهُمُ الصَّادِقُونَ إِلَخْ. وَالْمُرَادُ: الْمُمْتَازُونَ بِالْكَمَالِ فِي الصَّبْرِ وَالصِّدْقِ إِلَخْ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أن يكون كُلُّ صِنْفٍ عَارِيًا مِنْ صِفَاتِ الْآخَرِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّازِيُّ إِذْ قَالَ: وَأَظُنُّ- وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ- أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَعَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ دَخَلَ تَحْتَ الْمَدْحِ الْعَظِيمِ وَاسْتَوْجَبَ هَذَا الثَّوَابَ الْجَزِيلَ وَعِبَارَتُهُ لَا تُفِيدُ اعْتِبَارَ كَمَالِ كُلِّ صِنْفٍ فِي وَصْفِهِ وَهُوَ مَا لابد مِنْهُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ يَمْتَنِعُ عَطْفُهَا فِي مَقَامِ سَرْدِهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ بِمَثَابَةِ الْأَعْدَادِ الَّتِي تُسْرَدُ: وَاحِدٌ، اثْنَانِ، ثَلَاثَةٌ، أَرْبَعَةٌ إِلَخْ. وَلَكِنَّهَا إِذَا لَمْ يَرِدْ سَرْدُهَا كَأَنْ ذُكِرَتْ لِلْحُكْمِ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا ابْتِدَاءً فَلابد أَنْ تَجْمَعَ بِالْعَطْفِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} [9: 112] الْآيَةَ. وَقوله تعالى فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ: {أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ} [66: 5] إِلَخْ. فَإِنَّ هَذِهِ أَوْصَافٌ سُرِدَتْ لِلتَّعْرِيفِ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَوْصُوفِ، وَمِثَالُ الثَّانِي: الْآيَةُ الَّتِي نُفَسِّرُهَا وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الْمَوْصُوفِينَ ابْتِدَاءً، وَيَتَعَيَّنُ إِذَنْ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَمِثْلُهَا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [9: 60] إِلَخْ. فَإِنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ عَلَى مَدْلُولَاتِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ابْتِدَاءً. وَمِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَبْلَهُ: أنه يَمْتَنِعُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ نُعُوتًا (نَحْوِيَّةً) لِلَّذِينَ اتَّقَوْا. اهـ.
|